کتاب هارون الامة: تقریظ الدکتور محمد جواد أبو القاسمی
### تقریظ الدکتور محمد جواد أبو القاسمی
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
قالَ الإمامُ الهَادِی علیهِ السَّلام:
«لَولا مَن یَبقى بَعدَ غَیْبَةِ قائِمِکُم عَجَّلَ اللَّهُ تَعالَى فَرَجَهُ الشَّرِیفُ مِنَ العُلَماءِ الدّاعِینَ إلَیْهِ، وَالدَّالِّینَ عَلَیْهِ، وَالذَّابِّینَ عَنْ دِینِهِ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَالْمُنقِذِینَ لِلضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنْ شِبَاکِ إبْلِیسَ وَمَرَدَتِهِ، لَمَا بَقِیَ أَحَدٌ إلَّا ارْتَدَّ عَنْ دِینِ اللَّهِ. وَلَکِنَّهُمْ یُمْسِکُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّیْعَةِ کَمَا یُمْسِکُ صَاحِبُ السَّفِینَةِ سُکَّانَهَا، أُولَئِکَ هُمُ الْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»¹.
بناءً على روایاتِ المعصومینَ علیهم السلام، فإنّ أهمَّ واجبٍ على العلماء والمتخصّصین فی الشریعة فی عصرِ الغیبة، هو الإجابةُ عن الشُّبهاتِ العقائدیّة التی تواجه «یتامى آل محمد» علیهم السلام. هذا الواجب قد بدأ منذ عهدِ الأئمّةِ علیهم السلام بأنفُسِهم، وتَولّاهُ عددٌ من أصحابهم، ثم استمرَّ فی زمن الغیبة على یدِ علماء آخرین.
وقد مرّ هذا الجهد المصیریُّ بمراحلَ متنوّعة، صعودًا وهبوطًا؛ ففی بدایاتِ الغیبة الصغرى، ضَعُفَ أداءُ هذا الواجب، وبقیَ کذلک حتى ظهرَ الشیخ المفید (رضوانُ اللهِ علیه) فأعاده إلى ذروتهِ الممکنةِ فی ذلک الزمن. ومن الطبیعی أنّ هذا المنهج کان غریبًا على کثیرین، فواجه الشیخ اعتراضاتٍ عدیدة، فأجاب عنها بالروایة التالیة:
ینقلُ أبو جعفر مؤمن الطاق عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال له:
«خاصِمُوهُم، وَبَیِّنُوا لَهُمُ الهُدى الَّذِی أَنْتُمْ عَلَیْهِ، وَبَیِّنُوا لَهُمْ ضَلالَهُمْ، وَبَاهِلُوهُمْ فِی عَلِیٍّ عَلَیْهِ السَّلَام»².
وهذه الروایةُ، التی وردت بسندٍ موثوقٍ فی کتاب «الحکایات»، تُشکّلُ برنامجَ عملٍ یُتمُّ به الحُجّةُ على الشیعة. ومن الطبیعی أنّ کلَّ من یحملُ فی قلبه نارَ محبّةِ أهلِ البیت علیهم السلام، یَشتاقُ بعد قراءةِ هذه الروایة إلى الدفاع عنهم.
لکن، رغم هذا العشق، فإنّ فرصةَ الدفاعِ عنهم لا تُمنَحُ للجمیع. وقد نقلَ المستبصرُ الفاضل السید تیجانی السماوی فی ذکریاته لقاءَه مع القائد الأعلى للثورة الإسلامیّة، وکتبَ قائلاً:
قال لی سماحته:
\**«أَشْکُرُ اللَّهَ کَثِیرًا أَنِ اخْتَارَکُم لِتَکُونُوا مِنَ الدُّفَعَاءِ عَنِ الْحَقِّ، أُولَئِکَ الَّذِینَ یُدَافِعُونَ عَنِ النَّبِیِّ وَأَهْلِ بَیْتِهِ الْأَطْهَارِ، وَهُوَ مَنْصِبٌ لَا یُعْطَى إِلَّا لِرِجَالٍ مُتَفَرِّدِینَ بِالمِیزَاتِ».*
وبالإضافةِ إلى ضرورةِ التوفیقِ الإلهیّ الخاصّ فی هذا العمل، فإنّ لکلِّ جهدٍ منهجًا، ومنهجَ الاحتجاجِ الصحیح هو أن تُستَدلَّ بأدلّةٍ مقبولةٍ لدى الطرفِ المقابل. وهذا یتطلّب معرفةً وافیةً بقواعدهم ومصادرهم.
لقد جرت عبر القرون الماضیة مناظراتٌ عدیدةٌ بین الطرفین، وغالبًا ما کان الغَلَبَةُ فیها للشیعة. لکن هذا الانتصارَ لم یکن یتحقّق إلا بعد جدالٍ طویل، بسببِ عدم استخدام أو عدم معرفة منهج الاستدلال الموافق لأهل السنّة. وکان ذلک یُطیلُ زمنَ البحث، ویؤخّر بلوغَ النتیجة.
أمّا فی السنواتِ الأخیرة، فقد أصبحت الحواراتُ أکثرَ تخصّصًا واحترافًا. وأدّى الإلمامُ التفصیلیُّ بأسسهم الحدیثیة والعلمیّة إلى تسریعِ کشفِ الحقیقة أمامهم.
والکتابُ الحاضر هو واحدٌ من تلک المؤلّفات التی اعتمدت هذا النهجَ فی تبیین الحقّ للمخالفین، بأسلوبٍ یقطعُ الطریقَ أمام أهلِ الإنصاف عن أیّ نقدٍ علمیٍّ وجیه.
أسأل اللهَ تبارک وتعالى أن یُضاعف التوفیقَ للمؤلفِ الکریم فی خدمةِ أهل البیت علیهم السلام، ویجعلَ هذا الکتاب ذُخرًا صالحًا له فی قبره ومعاده.
محمد جواد أبو القاسمی
٩ شهر أردیبهشت ١٤٠٢ هـ.ش
---
### الهوامش:
١. الطبرسی، أبو منصور أحمد بن علی بن أبی طالب، *الاحتجاج*، ج١، ص١٠.
٢. الشیخ المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادی، *الحکایات*، ص٧٥
- ۰۴/۰۴/۰۹