التفضیل بین الخلفاء عند أهل السنّة
التفضیل بین الخلفاء عند أهل السنّة
یعتقد أهل السنّة أنّ الأفضل یُقدَّم على المفضول، ولذلک قدّموا أبا بکر على عمر، ثم عمر على عثمان، ثم عثمان على أمیر المؤمنین علیٍّ علیه السلام. ولکن لیس الأمر على نحو اتّفاقهم على هذا الترتیب، بل قد اختلفوا فیه بسبب تعارض الروایات.
قال أبو عمر بن عبد البر: «رُوِیَ عَنْ یَحْیَى بْنِ مَعِینٍ أَنَّهُ قَالَ: خَیْرُ هذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِیِّنَا أَبُو بَکْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَوْلُ أَئِمَّتِنَا. وَکَانَ یَحْیَى بْنُ مَعِینٍ یَقُولُ: أَبُو بَکْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ عَلِیٌّ، ثُمَّ عُثْمَانُ».
قال ابن عبد البر بعد ذلک: «وَمَنْ احْتَجَّ بِحَدِیثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِی قَالَ: کُنَّا نَقُولُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَبُو بَکْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَسْکُتُ - یَعْنِی: لَا نُفَاضِلُ - فَهُوَ الَّذِی أَنْکَرَهُ ابْنُ مَعِینٍ وَتَکَلَّمَ فِیهِ بِکَلَامٍ غَلِیظٍ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِکَ قَدْ خَالَفَ مَا اجْتَمَعَ عَلَیْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ، أَنَّ عَلِیًّا عَلَیْهِ السَّلَامُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِیهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِی تَفْضِیلِ عَلِیٍّ وَعُثْمَانَ، وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ أَیْضًا فِی تَفْضِیلِ عَلِیٍّ وَأَبِی بَکْرٍ، وَفِی إِجْمَاعِ الْجَمِیعِ الَّذِی وَصَفْنَا دَلِیلٌ عَلَى أَنَّ حَدِیثَ ابْنِ عُمَرَ وَهْمٌ وَغَلَطٌ، وَأَنَّهُ لَا یَصِحُّ مَعْنَاهُ، وَإِنْ کَانَ إِسْنَادُهُ صَحِیحًا»¹.
وقال أبو الحسن الأشعری، الذی وصفه الذهبی بـ«العَلَّامَةُ، إِمَامُ المُتَکَلِّمِین»: «وَاخْتَلَفُوا فِی التَّفْضِیلِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَکْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَبُو بَکْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ عُثْمَانُ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَقُولُ: أَبُو بَکْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَسْکُتُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ بَعْدَهُ أَبُو بَکْرٍ. وَقَالَ الجُبَّائِیُّ: لَا نَدْرِی، أَبُو بَکْرٍ أَفْضَلُ أَمْ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلَامُ، فَإِنْ کَانَ أَبُو بَکْرٍ أَفْضَلَ، جَازَ أَنْ یَکُونَ عُمَرُ أَفْضَلَ مِنْ عَلِیٍّ، وَجَازَ أَنْ یَکُونَ عَلِیٌّ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، وَإِنْ کَانَ عَلِیٌّ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عُثْمَانَ، لِأَنَّ عُمَرَ أَفْضَلُ مِنْ عُثْمَانَ، وَإِنْ کَانَ عُمَرُ أَفْضَلَ مِنْ عَلِیٍّ، جَازَ أَنْ یَکُونَ عَلِیٌّ أَفْضَلَ مِنْ عُثْمَانَ، وَجَازَ أَنْ یَکُونَ عُثْمَانُ أَفْضَلَ مِنْ عَلِیٍّ، وَهَذَا قَوْلُ الجُبَّائِیِّ»².
وقال الشیخ محمود سعید ممدوح: «صَرَّحَ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَالَّذِینَ یُرْجَعُ إِلَیْهِمْ فِی تَحْقِیقِ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّینِ، مِثْلُ: الْبَاقِلَانِیِّ، وَإِمَامِ الْحَرَمَیْنِ، وَالْغَزَالِیِّ، وَالْآمِدِیِّ، وَالسَّعْدِ التَّفْتَازَانِیِّ، وَالشَّرِیفِ الْجُرْجَانِیِّ، وَالْقُرْطُبِیِّ، وَالْمَازَرِیِّ، أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى تَفْضِیلِ عَلِیٍّ أَوْ أَبِی بَکْرٍ، أَدِلَّةٌ مُتَعَارِضَةٌ، ظَنِّیَّةُ الدَّلَالَةِ، لَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ»³.
الحواشی:
١. الاستیعاب، ج٣، ص١١١٦: «روى الأصم عن عباس الدوری عن یحیى بن معین أنه قال: خیر هذه الأمة بعد نبینا أبو بکر وعمر ثم عثمان ثم علی...».
٢. مقالات الإسلامیین، ج١، ص٤٥٨-٤٥٩.
٣. غایة التبجیل وترک القطع فی التفضیل، ص٦١.
- ۰۴/۰۴/۱۳